أركان وشروط عقد النكاح
يعتبرالنكاح (الزواج) من أقدس الشعائر الإسلامية، وترجع الأهمية الكبيرة له في أنه ينظم الحياة الاجتماعية بين الرجال والنساء في المجتمع، ولقد حدد الإسلام كافة الأمور التي تتعلق بعقد النكاح بين الرجل والمرأة ووضح الأركان التي يقوم عليها العقد، والشروط التي يجب أن تتوفر في العقد حتى يصبح صحيحاً، كما أن الخلل في تلك الأركان أو الشروط يعتبر العقد باطل، والعلاقة بين الزوجين علاقة تخالف شرع الله، ولقد اجتهد علماء وفقهاء المسلمين على مدار التاريخ الإسلامي في دراسة وتحليل وشرح عقد النكاح من مختلف الجوانب التي تتعلق به، لما له من أهمية كبيرة بالنسبة للأفراد وللمجتمع كله، حيث أن هذا العقد ينظم العلاقة بين الرجل والمرأة، والتي تكون نتيجتها هي الأسرة التي هي أساس المجتمع، فإن صلحت تلك الأسرة صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله.
ولقد قام العلماء والفقهاء بتحديد الأحكام والشروط النكاح من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الشريفة، لاستخلاص تلك الأحكام والشروط، ومحاولة معرفة العوامل والظروف الاجتماعية التي يمكن ان تؤثر على تلك الشروط والأحكام، غالباً ما يكون هناك اختلاف بين المجتمعات نتيجة الثقافة والعادات والتقاليد التي توجد في المجتمع، ولذلك يحاول العلماء على مدار التاريخ الإسلامي دراسة تلك العوامل التي تظهر في المجتمع مع مرور الزمن، وإيجاد الأحكام الشرعية التي تناسب تلك التغيرات التي تظهر في المجتمع.
تعريف عقد النكاح:
هناك الكثير من التعريفات التي اجتهد فيها العلماء والفقهاء في تعريف عقد النكاح، ويمكن تعريف العقد بأنه عبارة عن ارتباط بالإيجاب يصدر من أحد الطرفين تجاه الطرف الاخر، حيث يقوم بقبوله، ومعني ذلك أن الإيجاب والقبول هو أساس عقد النكاح، مع وجود العديد من الأركان والشروط التي تتوفر في العقد حتى يصبح العقد صحيحاً.
شروط عقد النكاح في الإسلام:
هناك عدد من الشروط التي يجب أن تتوفر في عقد النكاح حتى يصبح صحيحاً، وهذه الشروط اتفق عليها جمهور العلماء والفقهاء، وهذه الشروط هي:
١- وضع الفقهاء عدد من الشروط التي تم اعتبارها أنها من شروط نفاذ العقد، وهي أن يكون كل من الزوج والزوجة كامل الأهلية من حيث البلوغ والعقل والحرية، فإذا كان أحد الزوجين فاقد الأهلية مثل أن يكون معتوهاً او صغيراً في السن، لا يكون العقد صحيحاً في تلك الحالة إلا بإجازة الوالي وإلا اعتبر عقد النكاح باطل.
٢- رضا كل من الطرفين بالزواج من الطرف الآخر، أي لا يكون هناك إجبار وضغط على الزواج من الطرف الآخر، وهو من الأمور التي يتم التعبير عنها لفظياً من الطرفين عند توقيع صيغة عقد النكاح.
٣- ضرورة تواجد الشهود عن توقيع عقد الزواج، ولقد حدد العلماء الشروط التي يجب أن تتوفر في الشهود الذين يوقعوا على عقد الزواج.
٤- في حالة كذب الزوج أو الزوجة في المعلومات التي تتعلق به، والتأكد من الطرف الآخر بهذا الأمر، فإنه يحق للطرف الذي وقع عليه الضرر بان يطلب بفسخ العقد.
٥- ألا يكون عقد النكاح هو عقد مؤقت بمدة زمنية محددة يتفق عليها الزوج والزوجة، بالتالي اتفق الفقهاء أن عقد الزواج هذا هو نكاح متعة، وهو باطل بإجماع العلماء والفقهاء.
٦- جاء التأكيد على ضرورة ألا تكون المرأة محرمة او عليها شبهة تحريم، باعتبار هذا الأمر هو الأساس الذي تقوم عليه العلاقة بين الزوج والزوجة.
٧- في حالة خروج الزوج عن أهليته قبل إتمام عقد الزواج، فيحق للزوجة أو ولي أمرها أن يطالب ببطلان العقد.
٨- إعلان عقد النكاح من الأمور التي اتفق عليها جمهور العلماء، واستدلوا بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم:" أعلنوا النكاح"، ليعتبر إعلان النكاح من الشروط التي يجب أن تتوفر حتى يصبح العقد صحيحاً، بالتالي لا يجوز أن يكون عقد الزواج سراً ولا يتم الإشهار به بين الناس.
٩- ظهر في العصر الحديث شرط هام يجب أن يقوم به الأطراف ليصبح عقد الزواج صحيح، وهو ان يوثق العقد من الجهات والسلطات المسئولة في الدولة، وهي من المور التي لم تكن موجودة في العصور القديمة، ولكنها أصبحت أحد الشروط الرئيسية التي لا يصح عقد الزواج إلا بعد أتن يتم توثيق العقد من تلك السلطات.
ولقد اتفق الكثير من علماء الشريعة أن الاخلال في تطبيق هذه الشروط أو التلاعب بها فإن الزواج يكون باطل، ولو تمت العلاقة بين الزوجين فإنها تكون علاقة غير شرعية، ومخالفة لدين الله ولشريعته. وترجع أهمية معرفة تلك الشروط في معرفة كل من الزوج والزوجة بحقوقهم والالتزامات المفروضة عليهم تجاه الآخر، وهو ما يساعد الأشرة على الاستقرار بشكل كبير للغاية.
غالباً ما نجد أن هناك اختلاف في تلك الأركان والشروط بين المجتمعات نتيجة الكثير من العوامل، مثل نقص الوعي والمعرفة بتلك الأركان والأحكام، أو العادات والتقاليد الموجودة في المجتمع، لذلك تمثل توضيح تلك الأحكام أهمية كبيرة بالنسبة للمجتمعات الإسلامية.
أركان عقد النكاح:
على الرغم من اختلاف الفقهاء في تحديد أركان عقد الزواج، إلا أنه تم الاتفاق على عدة أركان يجب أن تتوفر في عقد الزواج وهي:
١- الوالي: إن تواجد والي عن الزوجة من الأمور الهامة التي اعتبرها الفقهاء من الأركان الرئيسية التي يجب أن تتوفر في عقد النكاح حتى يصبح صحيحاً، ولقد قال العديد من العلماء والفقهاء أن المرأة لا تملك تزويج نفسها، وإن فعلت ذلك لا يصح عقد الزواج ويصبح باطل.
٢- الصداق: يعتبر من أركان عقد النكاح، ولا يصح العقد إلا بوجوده، ولقد اتفق جمهور العلماء أن عدم تواجد الصداق في عقد الزواج، يبطل العقد، حتى إن تراضيا على إسقاطه، أو كان هناك اشتراط من احط الأطراف على إسقاطه.
٣- ألا تكون المرأة محرمة: بمعني ان لا يكون عليها أي من أسباب التحريم للنكاح، كأن يكون متزوج من أختها، أو تكون في شهور العدة بعد وفاة زوجها، أو يكون أخوها في الرضاعة وغيرها من الأمور التي حددها علماء الشريعة.
٤- الصيغة: هي عبارة عن صيغة الكلام بين ولي الزوجة وبين الزوج، وهي الصيغة التي يتم بمقتضاها عقد الزواج، ولقد حدد الفقهاء عدد من الشروط التي يجب أن تتوفر في تلك الصيغة ليصبح عقد الزواج صحيح، ومن هذه الأمور أن تحتوي على الإيجاب والقبول، ويجب ألا يكون هناك شرط غير قابل للتحقيق في العقد، وغيرها من الشروط التي اتفق الفقهاء عليها.
ونجد ان هناك اختلاف بين الأئمة الأربعة على عدد من الأمور في تلك الأركان، فمنهم من أضاف على تلك الأركان مثل مذهب الشافعية الذي اعتبر ان الشهادة من أركان عقد النكاح التي يجب أن تتوفر في العقد حتى تصبح صحيحة، ومنهم من قلل من أهمية تواجد بعض من تلك الأركان في عقد الزواج، وأن العقد يصح إذا لم تتوفر، ولكن هناك اتفاق كبير على الكثير من الأمور الرئيسية التي تقوم عليها تلك الأركان.
الخاتمة:
تعتبر العقود هي أحد الأحكام الشرعية التي حددتها الشريعة الإسلامية بضوابط ومعايير لابد على كافة الأطراف الالتزام بها حتى تتحقق المصحة لكل من طرفي العقد، ويصبح العقد سليم، ويعتبر عقد الزواج من أهم العقود التي اهتمت بها الشريعة الإسلامية لما له من مكانة كبيرة بالنسبة للأفراد وللمجتمع. في عقد النكاح هناك الكثير من الأمور التي منها مستحب ومنها سنة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، ومها آداب في العقد، ومنها المبطلات، فهي مليئة بالأحكام حتى يصبح عقد الزواج صحيح، بالتالي يجب على كل مسلم، أن يعرف كافة تلك الأمور، لما لها من أهمية كبيرة بالنسبة لحياته ولدينه.
على الرغم من وجود اختلاف بين الفقهاء في أحكام وشروط الزواج، إلا أن هذا الأمر يدل على سعة الدين الإسلامي، وقدرته على استيعاب كافة الآراء الشرعية، كما أن هذا يدل على الوعي الكبير من علماء المسلمين في دراسة الشريعة الإسلامية والأحكام التي توجد بها، وتوضيح تلك الحكام إلى كافة المسلمين. عند النظر إلى المجتمعات العربية والإسلامية نجد أن هناك نقص كبير في العلم والمعرفة بأحكام وشروط عقد الزواج، وهو ما أدي إلى ظهور الكثير من المشكلات الاجتماعية في الكثير من الأسر في تلك المجتمعات، بالتالي يجب على كافة المؤسسات الدينية والاجتماعية في المجتمع الحرص على نشر التوعية بين الأفراد في المجتمع، وخصوصاً الشباب، بكل ما يتعلق بعقد الزواج من أحكام ومبطلات وشروط، وبالتالي زيادة معرفة الأفراد بتلك الأمور وهو ما يساعد المجتمع على الاستقرار بصورة كبيرة، وبالتالي يستوي المجتمع.