قد يعجبك

أسباب فشل الثورة العرابية بالتفصيل

أسباب فشل الثورة العرابية بالتفصيل

يعد التاريخ هو أبرز ما يمكن أن يرى فيه الفرد نفسه، فيتبين له من تاريخه معالم هويته كما أن التاريخ مصدر اعتزاز الفرد بنفسه ووطنه والتراث المتواجد فيه، وأيضاً هو السلاح الوحيد في التصدي لكافة المشكلات والكوارث، وكذلك فإن التاريخ هو الوحيد الذي يسجل المواقف الكبيرة التي تحدث في أي وطن ويبرز ما به من شخصيات هامة. وبالتأكيد فإن الوعي التاريخي بمسيرة الكفاح والنضال للفوز بالحرية والاستقلال يعتبر من أهم ما يجب أن تتعرف عليه الأجيال وذلك لكي يدركون التضحية التي قدمها العديد من الشخصيات في سيبل الوطن وحريته، ومن أبرز الرموز النضالية والبارزة في تاريخ الوطن العربي هو الزعيم أحمد عرابي والثورة التي قام بها في مصر من عام ١٨٧٩ م وحتى ١٨٨٢ م، حيث كانت الثورة العرابية هي أولى الثورات التي قامت في مصر في العصر الحديث وتولى قيادتها أحمد عرابي ومعه الجيش المصري، وسعى إلى تحقيق الحرية والعدل والمساواة.


أسباب قيام الثورة العرابية:

1- الأسباب السياسية:

ترجع تلك الأسباب إلى نظام الحكم القائم حيث كانت تلك النظام مستبد وقاهر للأهالي ورغب العديد من المصريين في التخلص منه، وكان النظام الجديد الذي تمثل في رياض باشا والمراقبين الأجانب نظام فاسد لا يوجد به أي نوع من الأنصاف للشعب المصري فانعدمت الضمانات القانونية التي كانت تكفل حقوق المواطنين، وقد قامت الطبقة المثقفة من الشعب المصري بالتعاون مع الضباط الوطنيين للمطالبة بالمجلس النيابي الذي يضمن للناس حقوقهم ويقوم على أساس الحرية والعدل.

والسياسة التي كان يتبعها رياض باشا من أبرز أسباب ظهور الثورة وذلك لأنه قام بوضع العديد من الإصلاحات حيث كان المنتفع من تلك الإصلاحات هو والحكومة وكانت غير مناسبة مع مصلحة الشعب، كما قد انحاز رياض للنفوذ الأوروبية وتجاهل كافة الآراء من الشعب خاصة الأعيان والكبراء.

وقد تم استهداف العديد من الصحف المعارضة للقهر في عهد الخديوي توفيق واستمر تلك القهر في عهد وزارة رياض باشا، واتبعت الحكومة في ذلك لائحة قديمة أطلق عليها لائحة المطبوعات وكان الغرض منها هو تحذير الصحف أو وقفها، ومن أبرز العوامل التي كانت لها علاقة كبيرة بالأسباب السياسية هي حدوث ثورة الضباط على وزارة نوبار باشا وكانت الدافع لشكواي الضباط هو تأخير مرتباتهم وتحويل حوالي ألفان وخمسمائة ضابط منهم إلى الاستيداع وكانت نتيجة تلك الثورة سقوط وزارة نوبار.


2- الأسباب الاقتصادية:

كانت الأحوال الاقتصادية لمصر في تلك الوقت متدهورة للغاية وذلك نتيجة لكثرة الديون التي اقترضها الخديوي إسماعيل حيث بدأت تلك الديون عندما أجبر إسماعيل باشا أن يتدين من البنوك الأوروبية، بالإضافة إلى ما تحملته مصر من نفقات لكي يكتمل إنشاء قناة السويس، كما أنه اقترض أموال من البيوت المالية الإنجليزية بعد ما قامت إنجلترا بتسهيل الإمكانية لاقتراض الخديوي لكي تستولي على الأمور المالية في مصر، وأجبرت مصر بسبب كثرة الديون أن تبيع حصتها في شركة قناة السويس وانتهزت إنجلترا الفرصة واشترت حصة مصر بثمن ضئيل.

وقد تسبب ذلك في ازدياد النفوذ الأجنبية والتدخل في مصر حيث تمكنوا من استثمار أموالهم في الأراضي المصرية وأنشأوا البنوك والمتاجر والشركات وذلك جعل مصر تدخل في أزمة مالية نتج عنها تدخل الأجانب في شئون مصر المالية والسياسية حيث تزايدت القروض التي اقترضتها مصر من الدول الأجنبية.


ويمكن تلخيص الأسباب التي ساعدت على قيام الثورة فيما يلي:

1- الأطماع الأجنبية في مصر والتي ظهرت مع بداية الحملة الفرنسية على مصر، وطمع إنجلترا في موقع مصر في الطريق للهند، واستغلت هؤلاء الأجانب الظروف الاقتصادية والسياسية التي كانت تمر بها مصر في إزياد تدخلهم في شئون مصر.

2- إلصاق الجيش المصري في العديد من الحروب التي لا فائدة منها، كما حدث في عهد لخديوي إسماعيل.

3- المؤثرات الغربية التي أثرت في المجتمع المصري نتيجة للحملة الفرنسية على مصر وإرسال العديد من البعاث العلمية إلى أوروبا.

4- المدارس المصرية الجديدة التي ساعدت على تفتيح العقول المصرية ومعرفة حقوق المواطن في الدول المتقدمة حيث تطورت الأمور إلى المطالبة بحكم نيابي ووضع دستور.

5- ظهور جماعات عسكرية رفضت الأوضاع الراهنة لمصر واستلاء الأتراك على المراكز الرئيسية داخل البلاد ومعاملة الأتراك السيئة للمصريين.

6- تأسست العديد من الجمعيات لمحاربة ومواجهة الاستعمار والحكم المطلق وقد أنضم أحمد عرابي لها مع مرور الوقت، وطالبت تلك الجمعيات بإسقاط الوزارة الأوربية وحل كافة المشكلات المالية.

7- الاستغناء عن عدد كبير من العسكريين، حيث لجأت وزارة نوبار إلى تقاعد عدد من الضباط وإحالتهم للمعاش بحجة عجز ميزانية الدولة والظروف الاقتصادية.


مظاهر الثورة العرابية:

اجتمع أحمد عرابي في منزله مع مجموعة من قادة الجيش وتناقشوا في الاضطهاد الذي كان يقوم به ناظر الجهادية ضد الضباط المصريين وقامروا باختيار أحمد عرابي نائب لهم وقدموا عريضة طالبوا فيها بعزل ناظر الجهادية وسملوا العريضة وطالبوا بعرضها على رياض باشا، ولكن مجلس الوزراء قرر إلقاء القبض على الضباط الثلاثة ومحاكمتهم محاكمة عسكرية. تم القبض عليهم في قسر النيل وتجردوا من أسلحتهم، ولكن البكباشي أستطاع أن يحررهم، وخرجوا جميعهم برئاسة أحمد عرابي واتجهوا إلى ميدان عابدين، وأضطر الخديوي أن يقبل طلبات عرابي ورفاقه، وفي 9 سبتمبر 1881 توصلت الثورة العرابية إلى قمتها وتوجهت كافة الوحدات العسكرية إلى ميدان عابدين بقيادة أحمد عرابي وأشترك الشعب معهم، وعند وصول أحمد عرابي أمام قصر عابدين أعلن عن مطالب الجيش والشعب المصري للخديوي.


أهم مطالب الثورة العرابية:

1. عزل وارزة رياض باشا الظالمة.

2. إنشاء مجلس شورى النواب جديد على النسق الأوروبي.

3. زيادة أعداد الجنود في الجيش إلى 18 ألف جندي وذلك تبعاً للفرمان السلطاني.

واستجاب الخديوي للمطالب المقدمة وقام بعزل رياض باشا وتولي شريف باشا تشكيل الوزارة، ووضع محمود سامي البارودي دستور للبلاد ولكن إنجلترا وفرنسا تدخلوا في شؤون مصر وأرسلوا المذكرة المشتركة الأولى التي ساندت بها الخديوي وقدم شريف باشا استقالته بسبب قبول الخديوي لتلك المذكرة، وأقيمت حكومة جديدة برئاسة البارودي وتم تعيين عرابي في منصب وزير الحربية ولقت تلك الوزارة وأطلق عليها وزارة الثورة ترحيب من الجيش والشعب لأنها حققت رغبات الشعب المصري، وقامت بإعلان الدستور.

وانحاز الخديوي إلى الإنجليز بعد أن احتلوا الإسكندرية في موقعة قصف الإسكندرية حيث جعل نفسه وسلطته الحكومية تحت رغبة وإرادة الإنجليز، ثم أمر الخديوي أحدم عرابي أن يكف عن الاستعدادات الحربية ولكن عرابي رفض الخضوع لأوامر الخديوي بعد موقف الخديوي من ضرب الإسكندرية وقام بإرسال برقيات إلى كافة أنحاء البلاد اتهم فيها الخديوي بانحيازه إلى الإنجليز وحذر فيها من اتباع أوامر الخديوي، وطلب من يعقوب سامي باشا وكيل نظارة الجهادية أن يعقد جمعية وطنية تتمثل في أمراء البلاد وأعيانها وعلمائها لمناقشة ما يجب أن يعمل في شئون البلاد.

وقام الخديوي بعزل أحمد عرابي من منصب وزير الحربية ولكن عرابي لا يهتم بتلك القرار وواصل عمله في الاستعدادات في كفر الدوامة لمحاربة الإنجليز، وبالفعل أنتصر عرابي في معركة كفر الدوار وقام بإرسال دعوة إلى يعقوب سامي يدعوه فيها إلى عقد اجتماع للجمعية العمومية لمناقشة قرار العزل.

ومن أبرز المعارك في تلك الفترة كانت معركة التل الكبير في محافظة الشرقية في 13 سبتمبر 1882م حيث فاجئ الإنجليز القوات المصرية التي كانت نائمة وقت الهجوم وتم القبض على أحمد عرابي، واستكملت القوات البريطانية تقدمها واستولت على الزقازيق ومن ثم استولت على القاهرة وكان ذلك بداية الاحتلال البريطاني على مصر وتم نفي أحمد عرابي إلى جزيرة سرنديب ثم عاد من منفاه بعد عشرون عاماً بسبب شدة مرضه.


أسباب فشل الثورة العرابية:

1- خيانة الخديوي توفيق حيث أنه ساند التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لمصر وتعاون معهم منذ بداية توليه الحكم.

2- خيانة بعض البدو المتواجدين في الصحراء الذين ساعدوا الإنجليز في معرفة موقع الجيش المصري.

3- خيانة خنفس باشا الذي كان يقود الحامية في القاهرة.

4- خيانة بعض الضباط المصريين الذين تعاونوا مع الـإنجليز وساعدوهم على معرفة الثغرات التي كانت متواجدة في الجيش المصري.

5- قوة الأسلحة التي كانت يستخدمها الإنجليز.

6- عنصر المفاجأة الذي أتبعه الإنجليز.

7- خيانة دي ليسبس صاحب فكرة قناة السويس والذي قام بإقناع عرابي لكيلا يردم القناة وذلك لأن الإنجليز لا يمكن أن يتمكنوا من عبروها لأن القناة ملك لهمك وللفرنسين، ولكنه خلف بكلامه وسمح للإنجليز أن يمرون من على القناة، فلو لم يقتنع عرابي لما تمكن الإنجليز من دخول مصر.

8- إعلان السلطان العثماني للعصيان في الوقت الخاطئ بعد أن قامت بريطانيا بتحريضه لهذا العصيان، مما جعل العديد من الأشخاص ينقلبون عليه.


الدروس المستفادة من الثورة العرابية والنتائج:

ويمكن الاستفادة من الأسباب التي أدت لفشل الثورة العرابية في جانب هام وهو أن الثورة لم تقم بعزل مصدر وأساس الفساد في الدولة وهو الخديوي توفيق بينما قبل الشعب ببقائه في منصبه على الرغم من علمه بمدي فساده وتعاونه الكبير مع الإنجليز، فتسبب هذا التعاون في إفشال الثورة وإحكام سيطرة الإنجليزي على كامل الأراضي المصرية وزيادة قمع الشعب المصري الذي وجد نفسه قد خسر كل ما ناضل من أجله خلال الثورة، والتي انتهت بصورة تامة مع نفي الزعيم أحمد عرابي وزملائه في قيادة الثورة.


الخاتمة:

تعد الثورة العرابية كغيرها من الثورات التي قامت عبر التاريخ سواء المصري والعربي أو العالمي فهي ثورة قام بها الشعب المصري في سبيل الحصول على الحرية والكرامة والعدالة التي فقدها من نظام سياسي مستبد استهان بالشعب المصري وانتهك كافة حقوقه الإنسانية وهو ما جعل الشعب يثور عليه، أي أنها تكرار وتكرار لاستنفار الشعوب من أجل النضال والمطالبة بحقوقهم المسلوبة منهم. وتعد الثورة العرابية من الثورات المسلحة التي ارتكزت على بعض من الأسلحة البدائية في سبيل المطالبة بحقوقهم من النظام الحاكم الفاسد والمستبد المتمثل في الخديوي توفيق وأعوانه من الإنجليز الذي كانوا يقدمون الدعم للسلطة الحاكمة في سبيل تحقيق مصالحهم الخاصة والتي كانت على حساب الشعب المصري، وهو ما يؤكد بوضوح على أن الاستعمار يقف دائماً في صف من يحقق له مصالحه الخاصة على حساب الشعوب الضعيفة.


أسباب فشل الثورة العرابية بالتفصيل
تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -