قد يعجبك

قصة وسيناريو عائلي في مجال الخدمة الاجتماعية عن مريض توحد

قصة وسيناريو في الخدمة الاجتماعية عن التوحد

عائلة فهد:

يعيش (فهد) داخل أسرة كبيرة متشعبة الفروع وتتكون أسرته من والديه وأخته الكبيرة فقط، حيث أن والد فهد السيد (سلمان) وهو رجل بلغ من العمر 50 عاماً وهو يعمل مدير لشركة استثمارية كبرى يمتلك فيها أسهم استثمارية بقيمة مالية ضخمة، وهو شخص صحيح البدن ورياضي ولا يعاني من أية مشكلات صحية، لكن مشكلة الأب في أنه مقصر في انشغاله الدائم وتشتته ما بين أصدقائه وعمله وعائلته الكبيرة وهواياته وغيرها من انشغالات الحياة اليومية، وهو ما جعل اهتمامه بأسرته تأتي في مرتبة متأخرة في أولويات حياته.

بينما والدة فهد واسمها (عائشة) وتبلغ من العمر 40 عاماً، وتعمل دكتوره في أحد المستشفيات الخاصة، وبسبب طبيعة عملها كانت مواعيدها متقلبة للغاية، وساهم هذا الأمر في انشغالها الدائم عن الزوج والأبناء، حيث انها تعتقد أن عملها هو رسالة تخدم من خلالها المجتمع، وأن الأبناء قادرين على الاعتناء بأنفسهم، كما أنه متوفر لديهم كافة سبل الراحة والرفاهية.

بينما أخت فهد (هاجر) وتبلغ من العمر 17 عاماً، وتدرس في المرحلة الثانوية، ومن الناحية البدنية فهي سليمة ومعافاة، ولكنها من الناحية النفسية غير مستقرة، فهي في مرحلة المراهقة، ولا تجد أي اهتمام من أسرتها، فكانت حياتها مقتصرة على المدرسة والبيت، فكانت دائماً في حالة حزن ولا تشعر بالسعادة من الأمور والأنشطة التي تقوم بها، فانصب اهتمامها على الانترنت وخصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما عرفها على أحد الشباب الذي ارتبطت به بشده، فهو الشخص الوحيد الذي منحها الاهتمام والصداقة، وعوضها عن نقص الاهتمام الكبير من والديها وأخيها، فتحول هذا الشاب إلى حالة البسمة الوحيدة في حياتها، وأصبح يتحكم بها عاطفياً، تحزن وتكتئب إن عاملها معاملة سيئة، وتعيش في سعادة أن أبدى لها أي اهتمام ولو بسيط.


فهد ومرض التوحد:

بينما تمثل قصة ( فهد) عقدة الحكاية كلها، فهو طفل في العاشرة من عمره، ولكنه يعاني من مرض التوحد منذ الصغر، ولكن مع نقص الاهتمام، وعدم الرعاية الصحية والنفسية أدي إلى تأخر حالته بدرجة كبيرة، ودخل على أثرها المستشفى، وهو ما مثل إنذار للأسرة بالكامل أنها في خطر، وأن الأمور خرجت عن نصابها الصحيح، لذلك قرر الوالدين مخاطبة أخصائي اجتماعي كي يؤدي مهمة إرشادهم إلى أساليب تعاملهم مع حالة ابنهم، ولذلك فإن اتصال الوالدين بالمرشد كان يحتم عليهم تطبيق ما يقدمه لهم من إرشادات تساهم في متابعة حالة ابنهم وهو ما يمكن ان يساهم في تقديم العلاج المناسب له ويمثل جانب هام في تجاوبه مع العلاج الذي سوف يتلقاه وينبغي أن يهتم الوالدين بتهيئة أجواء نفسية تناسب حالة (فهد).


دور الأخصائي الاجتماعي في علاج فهد من التوحد:

وقد كانت بداية عمل الأخصائي الاجتماعي في عمله مع الأسرة لإرشادهم حول التعامل مع حالة ابنهم تتطلب التعرف على ظروف العائلة والسبب الحقيقي وراء لجوء العائلة إلى طلب المساعدة وهو ما جعلهم يبادرون بدورهم بإخباره كافة المعلومات عن الأسرة ولكن بشكل عام حسب معرفة كل منهم، حيث أكدوا على أن خوفهم من تدهور حالته الصحية هو أبرز أسباب استدعاء هذا الأخصائي في ظل ما وجوده من إصابتهم بقلق وتوتر شديدين على حالة ابنهم وقدرته على التعافي من مرضه.

لكن الأخصائي الاجتماعي بما يملكه من مهارات الملاحظة والاستماع بإنصات وتحليل المواقف وربطها بعض شعر أنه هناك مشكلة ما تواجه تلك الأسرة هي التي جعلتها تلجأ لمساعدته فبدأ يبحث في علاقات العائلة وحالتها الاجتماعية وأحوال الأسرة عموماً، وقد كان أبرز ما لاحظه هو فتور العلاقات الاجتماعية بين أفراد الاسرة فالأب منشغل دائماً بعمله والأم منهمكة في عملها، والبنت تعاني من حالة انطواء كبيرة، ولا تستطيع الاستغناء عن هاتفها المحمول ولو لدقائق، ولا يعلم الوالدين أخبارها سواء الشخصية أو الدراسية، ولذلك تأكد أن الابن سوف يعاني افتقاد للروح الحميمية والوئام داخل المنزل وهو ما يمكن ان يجعل حالة تعافيه أصعب بكثير، لذلك رأى الأخصائي أن تصحيح أوضاع الأسرة واستعادة أجواء الترابط والحميمية بينها هو السبيل الوحيد لضمان بيئة نفسية سليمة للابن ورفع لمعنوياته في رحلة تداويه من مرضه.

وقد كانت أولى تلك الجلسات التي أقامها الأخصائي الاجتماعي للأسرة كشفت له عبر مهارته في الملاحظة شكل العلاقات داخل الأسرة وما تشهده من تباعد كبير بين كافة أفراد الأسرة، وعدم وجود أي أنشطة تقوم بها الأسرة مع بعضها البعض، فالأم التي يجب أن تكون رابط الشمل الأسرة منشغلة في عملها، وتري أن المدرسة والخدم قادرين على الاعتناء بالأبناء، وأن رسالتها في العمل لا يجب ان تتأثر مهما كانت الأسباب والظروف.


مشكلة غياب الأب وتأثيرها على فهد:

كما لاحظ الأخصائي الغياب الدائم والمؤثر للأب في حياة الأسرة في مختلف ظروفها بسبب عمله وانشغالاته، فهو في غالبية الأوقات يعود متأخراً لمنزله بما لا يسمح بأية مجالسة لعائلته وخاصة أبنائه وبالتالي هو لا يعلم عنهم شيئاً، سواء عن الحالة الابنة، أو عن مدي حالة ابنه الصحية والنفسية، ولذلك جاءت علاقة الأبناء بأبيهم لتشوبها الكثير من علامات التوتر وانعدام الثقة.

ولذلك قرر الأخصائي بعد هذه الرؤية الشاملة لحال الأسرة أن يتعامل مع تلك المشكلات بنظرة موضوعية يستطيع من خلالها حل المشكلات وتصحيح أوضاع العلاقات الأسرية.

لذلك بداية كان الأخصائي يهدف إلى حل كل مشكلة على حدي ثم حل المشكلات المترابطة التي تجمع أفراد الأسرة جميعاً، باعتبارها الخطوة الأولي لعلاج مشاكل الأسرة، لذلك بدأ بالوالد بحل مشكلة دور الأب في المنزل وعدم تواجده في المنزل لفترات طويلة، بشكل جعله ينشغل عن أدواره التربوية وهو ما جعل علاقته بزوجته وأبنائه سطحية للغاية لذلك عمل الأخصائي مع الأب على إيجاد صيغة توازن ما بين انشغالاته في العمل ودوره داخل الأسرة وهو ما يمكن أن ينتج في النهاية علاقة سوية بينه وبين أفراد أسرته.


مشكلة أخت فهد مع أمها:

ثم جاء دور علاقة الأم بابنتها المراهقة وهو ما كان الأخصائي يهدف التركيز عليه من خلال تنبيه الأم إلى ضرورة توطيد صلتها بابنتها واحتوائها بما يجعلها تحسن علاقتها بابنتها ويشجع الفتاة على أن تشكو لأمها أحوالها وتأخذ برأيها وتستشيرها في مشكلاتها دون الاعتماد على علاقتها بهذا الشاب الذي لجأت للتعرف عليه عبر مواقع التواصل وهو ما يمثل تصحيح لمسار العلاقة الأسرية بين الأم وابنتها بشكل سوف ينعكس على الأسرة ككل، وقد كان الأخصائي يعي أن تلك العلاقة المقطوعة لا ينبغي أن تبدأ من منطلق تصحيح المشكلة الخاصة بالبنت بلجوئها للتعرف على شاب بل ينبغي ان تنبع من محاولة لإقامة علاقة جيدة بين الأم وابنتها بما ينمي صداقتهما ويجعل الفتاة تلجأ لأمها وتستشيرها فلا تبدأ العلاقة بخلافات وانتقادات مستمرة،

و على صعيد آخر انتبه الأخصائي إلى ضرورة الحديث مع الفتاة والتفهم لمشكلاتها التي تدفعها للانعزالية واللجوء للإنترنت لقضاء وقتها وأن تصبح مسألة تصحيح العلاقات أيضاً قائمة على تدعيم علاقة الفتاة بأبيها وربما يصبح الأمر الأكثر إيجابية وانعكاس على الفتاة إذا تفهمت الأسرة قدراتها ومهاراتها المختلفة التي ينبغي أن يرتكز عليها وأن يكون جو الأسرة شامل لأنشطة جماعية يقوم بها أفراد الأسرة سوياً وهو ما يمثل مهج علاجي وسلوكي وكذلك تربوي.


أهمية الدعم المعنوي والعاطفي لفهد:

أما بالنسبة لفهد الطفل الصغير مريض التوحد الذي يعاني من ضعف الاهتمام وتدهور حالته خاصة مع الأخذ في الاعتبار أن مرض التوحد يحتاج لدعم معنوي وعاطفي من الأهل لما يتصف به الطفل من قدرات خاصة تحتاج لتنميتها واكتشافها لأن مريض التوحد يميل للعزلة وتصبح فرصة اختلاطه بالناس ضعيفة وأقربها له هو احتكاكه بأفراد أسرته وارتباطه بهم، خاصة أن فهد طفل حديث السن مرهف الحس وبرئ في مشاعره وهو ما يجعله شديد التأثر ببيئته، لذلك تكمن فرصة علاجه وتحسن حالته في اللجوء إلى تصحيح أوضاع الأسرة بشكل إيجابي خاصة الاهتمام بدعم الطفل معنوياً وجعله يشعر بحب وحنان أفراد أسرته واهتمامهم به وهو ما وضعه الأخصائي في اعتباره من حيث توفير مناخ عائلي مناسب ومترابط وسويّ يمكن أن يظهر في صورة جديدة للتعاملات من جانب أفراد الأسرة مع فهد بحيث تصبح الأسرة ككل طرف مشارك في تحسين حالة فهد العلاجية من خلال التركيز على دعمه المعنوي والنفسي ومشاركته نشاطاته المختلفة وتقريب صلاته بأخته وأمه حتى يمكن أن يظهر ذلك في حالته الصحية.

لذلك كان الهدف التالي لجهود الأخصائي في دعم الأسرة نفسياً ومساعدتها على تجاوز أزمته النفسية تأثراً بتدهور حالة الابن ومن بعد ضبط مناخ الأسرة العام وتخليصها من توترها ومشكلاتها المختلفة أن يكون هناك وقت وجهد مخصص من جانب أفراد الأسرة جميعاً (الأب والأم والأخت) من أجل العمل بشكل جماعة لتحسين علاقتهم بـــ (فهد) ودعمه نفسياً ومعنوياً وتربويا ً إضافة لقضاء وقت أسري وترفيهي من جانبهم جميعاً برفقته حتى يستطيع تخطي أزمة حالته المتدهورة.

ولذلك كانت تلك الخطة التي أعدها الأخصائي الاجتماعي التي تجمع ما بين الأسس السلوكية والنفسية والعلاجية وما تتبعه من حالة الأسرة عموماً سبيلاً ناجحاً لتخطي مشكلة تدهور حالة فهد المريض بالتوحد والذي يحتاج الدعم الأسري بشكل كبير، وقد استطاعت الأسرة انجاز شوط كبير من أهدافها في استقرار حالة ابنهم فهد بتدعيم صلاتهم به ومراقبة مراحل علاجه وتطور حالتهم ليلمسوا التحسن بأنفسهم ويحفزهم على استمرار تلك العلاقات المتوازنة فيما بينهم.


الخاتمة:

ونلفت النظر أن الأخصائي بما حققه من إنجاز كان يعتمد على التوظيف السليم لكل نظرية اجتماعية فيما توافقه من مشكلات خاصة ما يتعلق بالتدخل السريع لحل الأزمات في إطار استعادة توازن الأسرة وترابطها. وعليه يمكن القول أن دور الأخصائي الاجتماعي في هذه الحالة يمثل قيمة شديد الأهمية بما لعبه دور الوسيط في حل المشكلات الأسرية لتلك الأسرة بمجهوده الخاص في الملاحظة وتركيز جهوده لمساعدة الأسرة وملاحظة حالة فهد والتفهم لمشكلة مريض التوحد الذي يلعب الدعم الأسري العامل الأبرز في تحسن حالته، وكل ذلك يؤكد أن نظرة الأخصائي الاجتماعي كانت صائبة منذ البداية وهو ما ينم عن معرفة اجتماعية وطبية ومهنية تميزه وتدعم جهوده في دعم الأسرة التي تلجأ له لحل مشكلتها وهو ما يحسب للأسرة كذلك في عدم تهاونها في حق ابنها ولجوئها لمختص يكشف لهم أبعاد القصور الذي يعانونه وهو ما ساعدهم في حل المشكلة واستعادة الرباط الأسري السليم الذي يدعم ويؤثر في حالة ابنهم فهد مريض التوحد.


قصة وسيناريو عائلي في مجال الخدمة الاجتماعية عن مريض توحد
تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -