إن كتاب "دين الفطرة" أو "عقيدة القس من جبل السافوا" والذي كتبه الفيلسوف الشهير جان جاك روسو ونقل ما كتبه من الفرنسية إلى العربية الكاتب عبد الله العروي ضمن طبعة عام 2012 م الصادرة عن المركز الثقافي العربي بالدار البيضاء بالمغرب من الكتب الهامة والقيمة. يدور الكتاب بشكل أساسي حول توظيف الإيمان لخدمة النفس، توظيف الدين لخدمة المجتمع، وتوظيف المجتمع لخدمة الفرد. يرى جان جاك روسو بأن دين الفطرة أي عدم التدخل المفرط في حياة الفرد، إدراكه، معارفه، وميوله يجعل الإنسان سعيدًا.
أفكار كتاب "دين الفطرة" الرئيسية:
يدور كتاب "دين الفطرة" لجان جاك روسو في مجمله حول مجموعة من الأفكار الأساسية التي تنضم تحت سياق الفلسفة ولعل على رأسها ما يتعلق بالضمير والإله وحكمته وأنه هو الذي يسّير الخلق لا الطبيعة التي نادى بها بعض الفلاسفة الماديين، وأكد الكتاب على أن الضمير هو الحاكم لسلوك البشر وأنه يوجههم ويثنيهم عن الشر الذي هو أصل يندفع إليه البشر في ظل امتلاكهم للحرية وهو ما يجعل الإنسان يختار سلوكه وأفعاله. وكذلك يوضح "جان جاك روسو" بأن هنالك فارق بين الإنسان السعيد طبيعة بسبب دين الفطرة وبين إنسان الإنسان التعيس أو الشقي الذي أفسده الإسراف في الثقافة، المعرفة، التعليم، والتربية.
تلخيص كتاب "دين الفطرة":
إن كتاب "دين الفطرة" هو عبارة عن متن للكاتب جان جاك روسو المولود بجنيف عام 1712 حيث كان يطلق عليها حينها عاصمة المذهب البروتستانتي، وكان روسو عندما انتقل إلى إيطاليا في بدايات شبابه قد تعرف على عقيدة الكاثوليك من بعد زيارته لمقر الفاتيكان، ثم من بعدها التحق بفرنسا وبدأ يتأثر بالفلسفة وفلاسفة فرنسا وعلى رأسهم فولتير، وقد وافته المنية في 1778 م.
يمثل كتاب "دين الفطرة" أو "عقيدة قس من جبال السافوا" مضمون هام حيث ترجمه العروي بعنوان مغاير يحمل اسم دين الفطرة ويتضمن الكتاب ملخص لحكم عن طبيعة عقيدة القس في جبل السافوا وهل هي تمثل دين فطرة حيث كانت مضامين الكتاب تدور في فكرها الفلسفي حول أفكار تتقارب من روح و فكر الدين الإسلامي وهو من الكتابات الهامة التي تحكي عن قس مرّ بتجربة مغايرة و فريدة رسم فيها لنفسه عقيدة صادقة واستقرار مجتمعي وكان الكتاب يحمل العديد من العظات التي يقدمها هذا القس والتي تم توجيهها إلى شاب بحيث تهدف إلى إنارة العقول ويدور محورها الرئيسي حول الضمير وكان مضمون الكتاب يحاول انتقاد الفلاسفة الذين ينكرون دور الضمير.
ثم يتضمن الحكي داخل كتاب "دين الفطرة" ما يرويه القس عن حالات الحيرة والشك التي كانت تنتابه وكيف كان ينتقد أفكار الكنيسة التي كانت في كثير من الأحيان تزيد من شكه وريبته، وكان ما ينتقده القس بتعقيده قائم على فكرة تحليل جدلية الحركة وانتقاد كافة أطروحات الفلاسفة الماديين والتأكيد على أن الكون من وراءه قوة حكيمة تديره بحكمة وبقدر وهو نقيض ما يدعو إليه الفلاسفة الماديين بأن الطبيعة تحكم نفسها.
لذلك جاء مضمون كتاب "دين الفطرة" ليمثل ماهية الإنسان وفكرة الإله وهو ما أعجز روسو وجعله يتوقف عند الفكرة التي يمكنها الإقرار بوجودها وهي وجود وقدرة الإله ودور الضمير والأخلاق في تنظيم حياة البشر. وقد أكد الكاتب "جان جاك روسو" أيضاً على فكرة أن حرية البشر هي شر أكبر من الإنسان لأن الشر مرتبط بالإنسان ولكنه يختار الخير وهو ما يؤكد فكرة أن الإنسان مخير ومسيّر في آن.
نقد محور التناقض في كتاب "دين الفطرة":
إن الأساس الذي قام عليه الطرح الفلسفي للكتاب قائم على أن الضمير ذو مرتبة كبيرة و أنه أساس النفس الإنسانية و موجهة لكن الفخ الذي ويقع فيه روسو هو أنه وضع الضمير في مرتبة عالية حتى أنه ألغى أية وساطات بين الله و عباده و بالتالي فهو ينكر منزلة الأنبياء لأنه يعتقد أن أي دخول في وساطة في شكل علاقة الإله بالإنسان هو السبب في كثرة الأديان و الفرقة بين البشر وهو بالتالي يتوجه بالنقد للأديان السماوية وما جاءت به من وحي ولذلك كان رده الحاسم يؤكد على ذلك عندما قال انه لو كان أرجح عقلاً وأغزر علماً لكان قادراً على الاستفادة من الوحي و الإيمان به.
نقد أسلوب الكاتب "جان جاك روسو" ومصادره:
إن كتاب "دين الفطرة" في مضمونه لا يمكن تقييمه على أنه كتاب جان جاك روسو لأنه مترجم عن الفرنسية لكن نستطيع القول إن المضمون جاء مترجماً بلغة بسيطة ومرتب في أفكاره بشكل سلس وبسيط، وإن أغلب ما ورد في الكتاب من معلومات يمثل مصادر ذاتية فالكاتب يحكي سيرته ورؤيته ولم يعتمد على مصادر أو وثائق تاريخية بل كان ما يرويه مستدعى من الذاكرة والمواقف الشخصية التي خاضها بذاته.
نقد أيدولوجيا الكاتب "جان جاك روسو" بشكل نقدي:
في الحقيقة، إن مضمون كتاب "دين الفطرة" هو تقديم قيم روحية وتربوية وأخلاقية خاصة التركيز على الضمير والأخلاق وهو أبرز ما يميزه وهو أساس الفطرة الإنسانية وذلك رغم النقد الموجه لفكرة التركيز على الضمير بشكل ينكر مهمة الأنبياء وقيمة الوحي.
الخاتمة والرأي الشخصي:
من خلال ما سبق عرضه يمكن القول إن ما تضمنه كتاب جان جاك روسو من أبرز ما يمثل قيمة فلسفية متزنة لا تميل للرؤى المادية الشاذة ولا يتشدد في مضمونه لكنه في النهاية قيمة فلسفية فكرية أخلاقية لا يمكن الحكم عليها سوى أنها تحمل جوانب كثيرة من الفكر الإيجابي رغم النقد الموجه لبعض أفكاره.