قد يعجبك

بحث عن علاقة الإنسان بالكون

علاقة الإنسان بالكون

لعل أول ما يبادر أذهاننا في خلق الكون وتسخير الموارد الطبيعية للبشر، هو العلاقة التي تقوم بين كل من الكون والإنسان، حيث تأخذ هذه العلاقة نمط التأثير والتأثر، فقد خلق الله عزو جل الكون وسخره لخدمة الإنسان في أمور حياته المختلفة، حيث جعل الله الإنسان أفضل المخلوقات على وجه الكون بأكمله وميزه بالعقل والرقي الفكري الذي يجعله يستثمر كافة الموارد الطبيعية التي أنعم عليها الله للإنسان داخل الكون، وهذا ما جعل الإنسان يعتمد على مكونات الكون في سد احتياجاته الخاصة ومداومة الحياة اليومية. ومن ثم، شملت العلاقة بين الكون والإنسان عدة متغيرات نابعة من كثرة الاستخدام للموارد الطبيعية التي أساء الإنسان استخدامها، فبينما يمد الكون والبيئة الإنسان بالحاجات الخاصة للمعيشة، يقابل الإنسان ذلك بالإفراط في الاستخدام الذي ينتج عنه نتيجة عكسية بين دور الإنسان ودور الكون.


طبيعة علاقة الإنسان بالكون:

وقد وضحت العلاقة بين الكون والإنسان في مواضع كثيرة من وجهة نظر الإسلام، حيث رفض القرآن الكريم التصور العبراني للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، وهي علاقة الرهبة والخوف؛ وذلك لأن الطبيعة في التصور القرآني قد خلقت من أجل الإنسان وتسخير مكونات ومخلوقات الكون لخدمة الإنسان، وإن المتدبر لآيات الله سبحانه وتعالي في القرآن التي تتحدث عن الكون، يدخل في صداقة عميقة معه ومع أفكاره القرآنية الدالة على جمال الكون وقدرة المبدع الخالق في تزين ذلك الكون، حيث يصبح التفكر والتدبر فيه طريقاً للإيمان بصانعه ومصدر للتعلم من دقته ونظامه، ومجالا رحباً للاستلهام من جماله وإحسانه، ويصبح الكون حينها مؤنساً ومعلماً ومرتعاً للتدبر والتأمل ورفيقاً في التبتل والعبادة، وهذا ما دعي المخلوقات للتسبيح والتدبر في خلق الله الذي ابدع وجمل الكون من أجل الإنسان.


النظرة إلى الكون:

تنطلق نظرة الإسلام والقرآن الكريم إلى الكون من إبداع المولي جل جلاله في خلقه، فحينما يتكلم القرآن الكريم عن الكون فإنه لا يذكره بوصفه منفرداً منعزلاً عن باقي المخلوقات، بل يكون ذلك الكلام من خلال الحديث عن صفة من صفات الله عز وجل، وهي صفة (الخلق)، وآيات الله عز وجل في الآفاق والأنفس، فالكون مخلوق لله تعالي خلقاً هادفاً، وكل ما فيه يسبح بحمد الله وعظمته، وبالتالي لا ينبغي أن ينظر إلى أية ظاهرة كونية أو مادية معنوية بغير هذا المنظار.

والله جل جلاله يعملنا أن هذا الكون لم يخلق عبساً ولا صدفة، إنما خلق لغاية يريدها الله تبارك وتعالي الذي يقول في كتابه" وخلق كل شيء فقدره تقديراً" ، وقد نظر الإسلام للكون على أنه كونان: (عالم الغيب وعالم الشهادة)، والجانب المشهود لا يمكن أن يقوم ابداً بدون الجانب المغيب، وكلا الجانبين حقيقة علمية، في حين أن كلا منهما له منهجه في النظر والمعرفة، حيث يقوم الجانب المشهود بالتعرف عليه عن طريق الملاحظة والتجربة التي دل عليها القرآن الكريم، لكن هذه الملاحظة والتجربة مبينة قائمة على الفكر والاعتبار، فالنظر العلمي في الإسلام لا يستهدف المعرفة فقط، إنما يستهدف المعرفة المثمرة التي تثري مجالات التقوي والعمل الصالح.

وقد عبرت الكثير من الآيات القرآنية عن مظاهر الكون التي تجلي فيها ابداع الخالق، فيقول في كتابه: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون). وقال تعالي: (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله لعلكم تشكرون)، فقد عبرت الآيات الجليلة عن مظاهر الكون والعلاقة التي تقوم بين مكونات الكون وتسخيرها لخدمة الإنسان من أجل تكامل العلاقة واكتشاف قوانين الكون والأنظمة التي يقوم عليها خلال خدمته للإنسان.


النظرة إلى الإنسان:

إن البحث في الإنسان فرداً أو جماعة بحث قديم يرتبط بوجود الإنسانية نفسها، بل إنه قد سبق خلق الإنسان نفسه، فقد أخبرنا الله تعالي بمحاورته للملائكة حول خلق آدم عليه السلام في قوله تعالي: (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشر من صلصل من حماء مسنون* فإذا سويته ونفخن فيه من روحي فقعوا له ساجدين). والإنسان هو أهم العناصر التي تكون تلك المنظومة الكونية في التصور الإسلامي، ولهذا السبب يحفل القرآن الكريم بالإنسان من حيث: تعريفه على ذاته، وتبصيره بحقيقته، ومهمته في الحياة ودوره فيها، فهو مخلوق كريم على الله عز وجل، قد خلقه بيده، وأسجد له الملائكة، وجعل له كيان مميزاً يعلي من شأنه عن سائر المخلوقات داخل الكون. وقد خلق الإنسان من جانبان: جانب ترابي يشترك فيه مع سائر الكائنات الحية، وجانب يتميز به عن كافة المخلوقات وهو الجانب الإلهي الروحي، فالإنسان بالروح التي ينفخها الله فيه أصبح كائنا من كائنات الملأ الأعلى؛ وذلك لأن إنسانيته لم تتكون إلا بعد أن نفخ الله فيه من روحه.

وبالتالي فقد أعد الإنسان ليصبح خليفة الله في الأرض، وزوده الله بالخصائص التي تعينه على ذلك وهي:

- الاستعداد للمعرفة النامية المتجددة؛ حيث جهز الإنسان لاستقبال المؤثرات الكونية، والانفعال بها والاستجابة لها.

- أمده الله تعالي بمجموعة من الاستجابات والانفعالات التي يتألف منها نشاطه الحركي للتعمير داخل الكون والتغيير فيه.

- القدرة على التحليل والتركيب والتطوير في مادة الكون وطاقاته؛ وهذا من أجل النهوض بوظيفة الخلافة.

وبالتالي تظهر وظيفة الإنسان في التصور الإسلامي، وفي الكون في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، فقد ميزه بثلاث وظائف هي:

1. عمارة الكون والأرض المذكورة في قوله تعالي (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها).

2. عبادة الله تعالي والغاية السامية من خلق الإنسان في قوله تعالي: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

3. الخلافة في الأرض والمذكورة في قوله تعالي: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة).

ومن ثم، لكي يقوم بواجبه على أكمل وجه، فقد زوده الله بالعقل وجعل عقله مناط التكليف والمسؤولية، وجعل قدرته على التفكير والاختبار أهم مؤهلاته.


النظرة إلى الحياة:

وتشمل الحياة التي يتحدث عنها القرآن الدنيا، وهي ليست مقصودة بذاتها إنما هي معبر لحياة الآخرة، فهي مستقر ومتاع إلى حين، وهي مقدمة للحياة الابدية، ومن هنا تبرز أهمية وجود قوانين الكون بالنسبة للإنسان، وطموحه إليها لتكون المعبر السليم لذلك المستقر الأبدي. والعلاقة التي تربط الإنسان بالحياة والكون هي علاقة ابتلاء، والابتلاء يأتي هنا تحت مفهوم الاختبار والامتحان، فالابتلاء هو المظهر العلمي لعلاقة العبودية والتدبر داخل الكون، والحياة هي الطريق لتلك العلاقة وهذا الابتلاء، فقال الله تعالي: (الذي خلق الموت والحيوة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور). ويعبر الكون عن حصيلة الثروة والمنتوجات والزينة، وهي مواد هذا الاختبار وأدواته، فتمثل الحياة مجموعة من أنشطة الكائنات التي خلقها الله في أعمار زمنية، وأسمي ألوان النشاط هو النشاط الإنساني في الحياة.


العلاقة المتبادلة بين الإنسان والكون:

لم تقم العلاقة بين الإنسان والكون على الرهبة أو الخوف، إنما كان القصد منها التدبر والتأمل في خلق الله داخل الكون، فقد سخر الله مكونات الكون لخدمة الإنسان الذي يعتمد على كافة الموارد الطبيعية في إعمار الكون، ومن هنا فقد أثار التبادل القائم بين الإنسان والكون جدلاً كبيرا حول علاقة التأثير والتأثر بها، فقد تأثر الإنسان بالكون من حيث القوانين والأنظمة التي تخصه وتسير النظام الداخلي به، ومن الناحية الأخرى قد أثر الإنسان بدوره على الكون في تعمير الكون واستخدام موارده وأدواته من أجل زيادة النفع. إلا أن الإنسان قد أفرط في استخدامه لموارد الكون، وهذا ما أدي بدوره بظهور أثار سلبية متعددة وقعت على أنظمة الكون، حيث ظهرت مظاهر التلوث البيئي في الزراعة والهواء والمياه وكل ذلك من خلال احداث التقدم العلمي الهائل الذي لم يحد من أثاره السلبية الواقعة على الكون، وهذا ما دل قوله تعالي: (ظهر الفساد في البر والبحر بما...)، وبالتالي فقد وقع التأثير على الكون من خلال أساليب الإنسان المدمرة لموارد الكون، والتي منها أن تؤثر على العلاقة المتبادلة بين الإنسان والكون.


الرأي الشخصي:

وفي رأيي أن الله تعالي قد خلق الوجود بهدف، وقد أو ضح الله في قوله تعالي: ( ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة) أن الهدف من خلق الكون هو عبادة المخلوقات لله عز وجل، وتسخير مكوناته وموارده لتحيا المخلوقات به، لكن الله تعالي قد ميز الإنسان عن سائر المخلوقات بالعقل والتفكير والتدبر في ابداع الخالق للكون، في حين قد أظهر الإنسان جانباً معاكساً عندما أساء استخدام موارد وثروات الكون والذي أدي بدوره إلي تدمير بعض المنافع التي تخص الكائنات الأخرى من نبات وحيوان، وبالتالي فيجب الحد من تلك المظاهر لأن الله تعالي قد وضع النظم الكوني منذ البداية.


المراجع:

1. عبد الكريم الخطيب، القضاء والقدر، دار المعرفة، بيروت.
2. علي أحمد مدكور، المفاهيم الأساسية لمناهج التربية الإسلامية، الطبعة الاولي، دار أسامة، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1410هـ.


بحث عن علاقة الإنسان بالكون
تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -