لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يغفل عن حقيقة وجود مشكلة كبيره في العالم العربي والإسلامي تسمي مشكلة العنوسة الناتجة عن عزوف الشباب عن الزواج. يحاول البعض إيجاد حلول لهذه المشكلة بشكل فردي بينما يحاول البعض الآخر العمل على التقليل من شأنها الأمر الذي جعلنا نتسأل عن أهم الأسباب التي أدت الى انتشار مشكلة العنوسة بشكل كبير وازديادها في مجتمعاتنا العربية. قد وصلت نسبة العنوسة في الخليج لأعلى نسبة في الإمارت وهي 70%، يليها السعودية بنسبة %45، ثم تأتي قطر والكويت بنسبة 35%، يلها البحرين بنسبة 25%، وأقلها في عمان نسبة 10%. ومن أسباب انتشار ظاهرة العنوسة في الخليج ما يلي:
أسباب ظاهرة العنوسة:
أولاً: العادات والتقاليد:
أن لكل مجتمع عاداته وتقاليده وأعرافه السائدة منها الصالح والنافع ومنها الطالح والضار. فهناك عادات خاطئة ساهمت في انتشار وازدياد مشكلة العنوسة في المجتمعات الإسلامية منها:
1. غلاء المهور:
يعتبر المغالاة في المهور مشكلة كبيره لها أبعاد اجتماعية وعرفية وهي من أهم العوائق التي تحول دون زواج الكثير من الفتيان يقول أحد الشباب: مشكلتي كمشكلة غيري من الشباب هي الزواج وغلاء المهر، ولا أستطيع الحصول على زوجتي إلا بعد أن أقوم بدفع هذا المبلغ إما المهر المتفق عليه أمام المأذون فهو أربعون ألف ريال والباقي يظل سراً ولو امتنع الشباب عن الدفع منعت منه الزوجة.
2. اشتراط القبيلة:
يشترط بعض الناس في القبيلة أن يكون الزوج من قبيلة خاصة والتدقيق الشديد في هذا الجانب دون أن يقوموا بالنظر إلى تقوى الخاطب وتدينه مما يؤدي الى ما لا تحمد عقباه من تراكم الفتيات بعضهم على بعض في العديد من الأسر التي تقوم بسلك هذا المنهج فوقعوا بذلك فيما حذرهم منه رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - من الاشتراطات الكثيرة.
3. التزام الترتيب بين الفتيات في الزواج:
إن من اكثر واخطر العادات التي تساهم في انتشار مشكلة العنوسة هو التزام بعض الأسر بضرورة الترتيب في تزويج بناتهم فلا يزوجون الفتاة الصغرى قبل الفتاة الكبرى.
ثانياً: الرجل سوآءا كان أباً أم زوجاً:
1. جشع وطمع بعض الآباء:
فمن الآباء من يقوم بصد الخطاب عن بنته لأنها موظفة وتدر علية دخلاً شهرياً ومن الآباء من يشترط على الخاطب أن يكون راتب ابنته أو بعضه لوالدها وبعض منهم إذا كانت ابنته على جانب من الجمال المثير والأدب الجم، دفع عنها الخطاب على أمل أن يتقدم لها صحاب جاه أو ثروة فيقوم بمساوماته عليها وهذا الصنف وإن كان قليلا في مجتمعاتنا العربية إلا أنه موجود ولا يمكن لنا إغفاله.
2. إحجام القادرين عند التعدد:
رغب الإسلام في الزواج فحث عليه وجعله من الأعمال التي يؤجر عليها صاحبها إذا قصد بفعله العفة وغض البصر له ولزوجه؛ حيث هنالك آية تبيح التعدد والزواج من أربعة. إن إحجام الكثير من الرجال عن التعدد يزيد في انتشار ظاهرة العنوسة.
ثالثاً: المرأة:
تعتبر المرآه أيضا سببا من أسباب تفشي وازدياد ظاهرة العنوسة ولا يمكن لإنسان منصف أن يعفيها من دورها في انتشار هذه الظاهرة ويتمثل دورها في تفشي وانتشار ظاهرة العنوسة في الأمور التالية:
1. رفض الخاطب إذا كان متزوجاً:
كثير من الأسر يرفضون من يتقدم لخطبة إحدى بناتهم متى علموا أنه متزوج فكثير من الفتيات تقوم برفض العريس المتقدم اليها متي عرفت انه كان متزوجا من قبل.
2. التعذر بإكمال الدراسة:
وهذا هو حال الكثير من الفتيات اليوم فالكثير منهم يرفض الزواج بحجة إتمام الدراسة ويمضي بهم قطار العمر ولا يشعرون بذلك إلا حين يقف بهم في محطة العنوسة فقد يكون سبب إكمال الدراسة تعبيراً عن عدم قبول بالخاطب وقد يخفي وراءه انتظار شاب معين على أمل أنه يتقدم للخطبة فإذا بالآخر يغير رأيه ويرى في فتاة أخرى من أمله وتمنّاه، فيذهب الانتظار سدى وتضيع الفرص وتتحمل الفتاة وحدها النتائج.
رابعاً: الأسباب الاجتماعية العامة:
1. أزمة المساكن وارتفاع أسعار العقارات:
يعتبر البحث عن المسكن الملائم ليكون عش الزوجية من الهموم والهواجس التي تثقل كاهل الشاب الذي يرغب في الزواج وخاصة إذا كان من ذوي الدخل المحدود الذين لا يكفي دخلهم لتأسيس بيت والأنفاق على أسرة في وسط مجتمع يهتم كثيرا بالمظاهر ويجعل من لا يهتم بها لقمة في أفواه الجهلة وذوي النفوس الضعيفة، مما يجعل الشاب منهم يقوم بتأجيل الزواج حتى يتمكن من توفير ما يلزم للقيام بأعبائه أو السعي للزواج من خارج البلاد حيث يجد من ترضى به وبظروفه وتعيش معه على ما هو عليه من ضيق وربما يصرف النظر نهائياً عن الزواج ويشبع غرائزه عبر القنوات المحرمة والممنوعة، وأي من تلك الاحتمالات يساهم بقدر كبير في تضخم مشكلة عنوسة عند النساء.
2. ضيق فرص العمل وانتشار البطالة:
تساهم البطالة إلى حد كبير في تفاقم ظاهرة العنوسة لأن الشاب العاطل عن العمل لا يمكنه القيام بواجبه نحو أسرته لذا كان لزاماً علينا السعي في إيجاد فرص العمل للشباب، وعلى الشباب أن يكونوا أكثر جدية وانضباطاًوكذلك غض البصر عن المحرمات وكذلك غض المرء بصره.
علاج ظاهرة العنوسة:
هذه تعتبر كل الأسباب العامة والخاصة التي أدت إلى تفشي وانتشار ظاهرة العنوسة في المجتمعات، فهل لهذه الظاهرة من سبل تحد من انتشارها، وكيف يمكن علاجها واري أن الدواء العلاج الناجع الذي يسهم في القضاء على هذه ظاهرة العنوسة ويحد من آثارها هو الابتعاد أو القضاء على الأسباب التي تؤدي اليها وسد الأبواب التي تأتي من خلالها وفيما يلي سرد لبعض النقاط التي يمكن من خلالها الحد من ظاهرة العنوسة وهي كالاتي:
أولًا: تخفيف المهور:
روى أنس-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه وضرٌ من صفرة فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (مهيم)؟ قال: يا رسول الله: تزوجت امرأة من الأنصار، قال: (ما سقت إليها؟) قال: نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب، قال: (أولم ولو شاة). فإن المغالاة في طلب المهر وفي إقامة حفلات الزواج يؤدي الى عرقلة أمور الزواج مما يخالف الشرع.
ثانيًا: اشتراط الكفاءة لا القبيلة:
فقد ذكرنا أن من اهم أسباب تفشي ظاهرة العنوسة في المجتمعات اشتراط بعضهم انتماء الخطاب إلى قبيلة معينة وعدوا هذا الشرط أصلاً في إجابة الخاطب إلى طلبه، ولمناقشة هذا إليك فتوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله- فقد سئل: ما حكم من يمنع ابنته من الكفء المتقدم لها بحجة أن المتقدم خضيري وهو قبيلي، وإذا نوقش في ذلك قال: أن الله جعل الناس درجات والخضيري ليس له أصل، واستدل بقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} سورة الأنعام(165). وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} سورة الحجرات(13) ؟ وجزاكم الله خيرا. فأجاب بقوله: أن الاعتماد على فكرة النسب في مسألة الزواج وإن ذهب إليه بعض أهل العلم وقالوا: للإنسان أن يمنع من تزويج المرأة القبلية برجل لا ينتمي الى قبيلة لكن الأمر الذي ينبغي أن ينظر آلية عند الرفض بهذا الخاطب يجب أن ينظر إلى دينة وخلقة أولا لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفلعوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). هذا هو الذي ينبغي على الإنسان أن يلاحظه، وأما مسألة النسب قبيلي أو خضيري فهذا أمر ثانوي. فالله رفع الناس بعضهم فوق بعض درجات في العلم و في الدين و في الحكمة و في العقل و في الأجسام، وفي كل شيء. ولكن لا يعني هذا أن تمنع الكفء الخاطب من أن تزوجه لكونه غير قبيلي وكون المرأة قبيليه فإن هذا من الأمور التي لا ينبغي الرجوع إليها.
ثالثًا: عدم اشتراط الترتيب بين الأخوات في الزواج:
أن رفض تزويج الصغرى قبل أختها الكبرى عادة سيئة لا يقرها شرع ولا يقبلها عقل.
رابعًا: العمل على حل أزمة المساكن وضيق فرص العمل:
ويكمن حل هذا لأمر بالعودة للكتاب والسنة، وتسهيل أمر الزواج والإمساك عن الشروط التي لا تصب في مصلحة الزوجين، وقد تحرم الكثير من الشباب من التمتع بتكوين أسرة، وتنشئة جيل على طاعة الله ورسوله. لذلك يجب علينا العمل على السعي في مصلحة الشباب وكذلك عن طريق بتأهيلهم علمياً وفنياً وتأمين العمل لهم وما نسمع به ونشاهده في الغرب من مصالح تضم بين منشآتها عشرات الآلاف من العاملين فان الأحرى بنا هنا أن نتقدمهم فيه وأن يخوض شبابنا معركة العمل والاحتراف لأن ذلك هو الحل الأنجح.
الخاتمة:
وفي النهاية نستطيع أن نقول أننا اذا اتبعنا سبل العلاج للحد من ظاهرة انتشار العنوسة سوف نحد كثيرا من ظاهرة انتشار العنوسة فمشكلة العنوسة التي نراها الان منتشرة في مجتمعاتنا العربية تؤدى إلى شغل بال الكثير من الأسر وتسبب الحزن للآباء والأمهات قبل البنات كما أنها تترك أثار نفسية واجتماعية خطيره على كلا من الفتيان والفتيات.
المراجع:
1. جلال السناد –دراسة ميدانية عن تأخر سن الزواج عند الشباب الجامعي –جامعة دمشق -2010 م
2. الجوير وإبراهيم مبارك- تأخر الشباب الجامعي في الزواج- جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية- الرياض- 1995م
3. الضبعي وإبراهيم- تفشي العنوسة أسبابها وأثارها- دار الشباب للنشر- الدوحة-2000 م
4. العتيبي- العنوسة المشكلة والزواج- دار الفكر للنشر- بيروت- 2000 م.
5. محمد عبد اللطيف محمود البنا –العنوسة والغلاء دار الشروق للنشر والتوزيع – مصر -2010 م.
6. هدى رشاد وماجد عثمان- الزواج في الوطن العربي- مكتب مراجع السكان- دبى- 2005 م.