قد يعجبك

مقارنة بين مسرحيتين "فاوست" لجوته و"شهرزاد" لتوفيق الحكيم

دراسة مقارنة بين مسرحيتين "فاوست" و"شهرزاد"


أولاً: ملخص مسرحية فاوست لجوته:

إن مسرحية فاوست التي كتبها الكاتب الألماني يوهان فولفجانج جوتة هي مسرحية تراجيدية تقع في فصلين. وفاوست هي خرافة قديمة يرددها بعض المؤرخين ويرجعونها إلى ما قبل غزو النورمان لإنجلترا، وتناولها العديد من الأدباء والكتاب في مؤلفاتهم الأدبية وخاصة المسرحي الألماني الشهير جوتة ومن قبله الشاعر الإنجليزي كريستوفر مارلو والشاعر الفرنسي روتبيف والكاتب الألماني جوتهلد لسنج. 

وتحكي قصة هذه الخرافة القديمة عن شخص يدعى (فاوست) ورث عن عمه أموالاً طائلة وكان يستغلها في حرصه على تعلم كافة علوم زمانه ، لكنه بعد أن بلغه الكبر والتقدم في العمر فكر وكانت نتيجة تفكره أنه اعتقد أن عمره الذي أفناه في العلم لم يفيده ولم يأخذ هو من العلم شيئاً وتأكد أن العلم لا نفع له ، لذلك ندم على سنوات شبابه التي رأى أنه أضاعها ولم يقضيها في متعته، فظهر له الشيطان (مفستوفيليس) بغرض أن يقوم بمقايضته على روحه وجسده وذلك مقابل أن يمنحه أربعة وعشرين سنة يعيش فيها شبابه.

وقد اقتنع فاوست بالفعل بصفقة الشيطان التي عرضت عليه فمضى في سبيل الشر ومارس كل الموبقات فقتل وفسق ووقع في كل رذيلة وإثم تأنفه النفس والبشرية بقدر ما استطاع ، وكشفت هذه المسرحية عن عشق وقصة رومانسية وقعت بين فاوست بطل المسرحية وبين مارجريت (التي تُعرف أيضاً باسم جريتشن) حيث جاءت الصفقة بأن عرض عليه الشيطان النساء بأشكالهم وألوانهم ولكنه رده بشكل عنيف لأنه لا يريد سوى مارجريت فقط المرأة التي أحبها. 

لذلك كان ختام المسرحية أن اتبع جوته حيلة ابتكرها العديد من الأدباء في أعمالهم ومنهم الكاتب الألماني ليسنج عندما أتى الشيطان ليأخذ منح حق الاتفاق في نهاية المسرحية الخاتمة تبع جوته منهج ليسنج فعندما طالبه بتنفيذ الاتفاق جاء صوتاً من السماء قائلاً " لن تفلح فيما تريد " ويكتب في النهاية لفاوست ومارجريت. 


ثانياً : ملخص مسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم:

تعد مسرحية شهرزاد من الأعمال الأدبية الشهيرة وهي ثاني أضخم عمل أدبي مسرحي للكاتب المصري الراحل توفيق الحكيم، وهي تنتمي لذات أسلوب أدب توفيق الحكيم الذي يتم بناءه بشكل درامي مكثف حيث جاءت معظم كتب توفيق الحكيم وخاصة هذه المسرحية بناءً على كتاب ألف ليلة وليلة القصصي التراثي، ولكن يظل هذا العمل الأبرز في الأدب والأكثر أهمية وذلك نابعاً من عمقه الفكري وتجوله في مكنونات النفس البشرية وأعماقها . 

وقد حاول توفيق الحكيم في مسرحيته شهر زاد شرح وتفصيل مضامين الأفعال والأحكام التي يقدمها الإنسان عبر التأمل بكل دقة في العقل البشري. 

وتحكي الدراسة في مضمون حبكتها عن الملك الذي يسكن مقصورته الملكية وهو المسمى " شهريار " وهو الملك والشخصية الرئيسية في حكايات روايات ألف ليلة وليلة والتي تدور قصتها حول الملك وأفكاره و ما يدور في رأسه حول آخر خليلة اتخذها وهو الذي كان معتاداً أن يأمر جلاديه بقتل زوجته في صبيحة يوم الزواج تفعيلاً لرغبته في الانتقام ظلماً وبهتاناً، وذلك لأنه كان يعتقد أن النساء خائنات لا أمان لهم فهم لا يصن عرض ولا يحافظن على شرف، وكل ذلك كان ناتجاً عن تجربته مع أولى زوجاته التي أحبها بجنون ولكنه خانته عندما رآها بعينيه مع عشيقها فأمر بقتلهما سوية.

ومنذ ذلك الحين لم يبق على علاقته بأي امرأة سوى شهرزاد الشخصية الأبرز في حبكة المسرحية والتي شعرت بخوف على بنات قريتها من مصير الموت فقررت أن تقوم بمحاولة تغامر فيها بحياتها علها تلقى النجاح وهي أن تقوم بقص وحكاية أقصوصة وحكاية للملك شهريار كل ليلة حتى الصباح وتترك له مضمون هذه القصة كنهاية مفتوحة لها بحيث تكون الحكاية مشوقة بشكل كافي يجعل شهريار يمتنع عن قتلها ويصبر حتى تفرغ من حكايتها التي تسرد تفاصيلها عليه كل ليلة. 

وعبر تفاصيل المسرحية تجتاح عقل شهريار العديد من الشكوك والظنون والتخمينات حول هذه الفتاة ذات العشرون عاماً والتي يعجب كثيراً من حكمتها التي كان كلما سألها عنها كانت إجاباتها غير مجدية ولا تجيب عن سؤاله خاصة أنها كانت حكيمة وموسوعية الفكر كأنما خلقت وهي على علم بكل حكايات الأرض منذ خلقت بشكل يجعلها تفهم كل العلوم وتخوض كل التجارب وتتعرف على الخبايا رغم أنها لم تجرب شيئاً منها وكل ذلك عبر الحكاية والخيال الخصب. 

وكن الملك مضطراً أن يكتم حيرته وأن يلجأ لطرق عديدة تجلب له الأجوبة على أسئلته واتخذ من السحر والعرافة طريقا لذلك ولكنه لم يحصل على أية نتيجة تذكر حتى أنه سافر في رحلات بعيدة على أمل أن يحصل على أجوبة شافية لإجاباته لكن دون جدوى مجدداً. 

وغضب شهريار بشكل كبير ولكنه في نهاية المسرحية سوف يكتشف أن كل ذلك ليس سوى خيال حتى رحلة سفره وكانت نتيجة تفكيره العميق أنه تأكد من أن النتيجة الحقيقة التي يمكن أن يرضي بها نفسه هي أن شهرزاد لابد وأن تكون كسابقاتها خائنة ومخادعة ولكنه في تلك المرأة لم يأمر بقلتها حيث لم يجد في ذلك أية جدوى وفضل أن ينتهي به الأمر في النهاية إلى الاختفاء عن الأنظار وربما الانتحار للخلاص من حياته المعذبة. 


أوجه التشابه بين فاوست وشهرزاد: 

إن أبرز ما يمكن أن يكون مميزاً في المسرحيتين بحيث يمكن اعتباره وجه تشابه هو أن كلا العملين تم بناءه بشكل درامي يوضح ما احتوى عليه النصين من حبكة تظهر البطل الرئيسي في صورة الشخص الذي يواجه صراع معين ويحاول التغلب على صراعه النفسي وصراعه مع الآخرين فبينما حاول شهريار التغلب على أفكاره حول النساء وحول شهرزاد وما تحكيه من حكايات يريد أن يعرف ما سرها حتى انتهى به الأمر بالانتحار، إلا أن فاوست كان يصارع ذاته بعدما رأى أن العلم لا نفع من وراءه وأنه لم يأخذ فرصة ليعيش شبابه كما يريد فعقد صفقته مع الشيطان ولكنه كان يصارع في النهاية نفسه وجاءت علاقته بمارجريت لتجسد رغبته في الاستقرار والعيش مع حبيبته حتى أنه رفض أن يقيم علاقات مع نساء أخريات. 

ويأتي التشابه في المسرحيتين أيضاً في أن البطل والبطلة فيهما رجل وامرأة هم الأبطال الرئيسيون التي تدور أغلب أحداثها بينهما وتتشابك الأحداث حول علاقات تلك الشخصيتين الرئيسيتين وبقية أبطال المسرحيات. 

كما أن محتوى كلا المسرحيتين يندرج تحت إطار الأدب الفلسفي والذي يقوم على فكرة فلسفية وفكرية تحاول المسرحية معالجتها عبر مضمونها المختلف والصراعات بين الشخصيات. 


أوجه الاختلاف بين فاوست وشهرازاد: 

إن أبرز ما يمكن التركيز عليه في تلك المسرحيتين من حيث اختلافاتهم هي أن مسرحية فاوست لجوته من الأدب الألماني وهو نوع أدب مختلف ببناءه ولغته وسياقه عن الأدب العربي في حين جاءت مسرحية شهرزاد لتندرج تحت الأدب العربي الذ يتميز بإحكام قالبه ولغته العربية المحكمة، فكلا المسرحيتين تدوران في بلد وحياة ومجتمع مختلف يجعل بناءهما الدرامي وما يحتويان عليه من أفكار وقضايا مختلف تماماً خاصة أن فاوست تعتمد على الجانب الفلسفي المعتمد على أسطورة قديمة في حين تعتمد شهرزاد على بناء قائم على حكاية تراثية تعتمد على التفاصيل والحكايات الخيالية. 

كما أن ما يجعل مسرحية شهر زاد مختلفة تماماً عن مسرحية فاوست هو محاولة توفيق الحكيم لإحكام الإطار الدرامي عبر تطوير العقدة الدرامية من خلال الأفكار الفلسفية التي هي من أبرز تلك العوامل المتحكمة في مسار الأحداث حيث تحتل الأفكار عجلة القيادة في المسرحية وتتحول الشخصيات والأحداث إلى رموز وإذا تحولت المسرحية إلى عالم من الرموز فإن ذلك يجعلها صعبة، ولا شك أن تجسيد الصراع بين الأفكار هو أبرز ما تتميز به مسرحية شهر زاد، والعناية من قبل توفيق الحكيم بالحوار الدرامي وتوظيفه والتدقيق على لغة الحوار ببلاغتها وقدرتها على تصوير المشاعر والمواقف الدرامية بشكل يجعلها وكأنها حقيقية وحية ونابضة. 

بينما جاءت فكرة مسرحية فاوست لتدور حول فكرة الخلود ومحاولات الإنسان التمرد على حياته وإنكار قيمتها والتمني الدائم لعيش حياة أخرى مخالفة لحياته فالإنسان دائماً يعيش راغباً في المزيد من الكمال، وهو النموذج الواضح في فاوست بطل المسرحية النموذج الإنساني الساعي إلى تحقيق القوة والاستمتاع بحياته بشكل لم يعيشه من قبل بوسائل خارجة عن الطبيعة وهي ما يعرف بالسحر الذي يتحدى به الألوهية ويخرق النظام الذي خلقت عليه الحياة وخلق عليه البشر عبر أس الشر في الكون وهو الشيطان الذي قايضه فاوست على المعرفة في مقابل أن يرجعه شاباً وهي التجربة الثرية بالعديد من الأحداث الدرامية. 


نقد مسرحية فاوست لجوته: 

إن أبرز ما يميز مسرحية فاوست هي اعتمادها على الفكرة ودمجها في سياق درامي يكشف الصراع الذي يدور حول فكرة البقاء واكتشاف جوانب الحياة المختلفة وهي من المسرحيات التي تصنف على أنها أدب عالمي وهي أشهر ما كتب جوتة في الأدب الألماني. 


نقد مسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم: 

إن مسرحية شهر زاد من أبرز ما كتب توفيق الحكيم في الأدب العربي بما احتوته من معالجة لفكرة حكاية تراثية شهيرة بطريقة تبرز الصراع الذي يدور في نفسية شهريار بعد تعرضه لتجربة الخيانة من حبيبته والتي يحاول الانتقام منها في صورة الفتيات اللواتي يتزوجهن ويقتلهن في ليلة الزواج حيث مثلت له شهرزاد بتمردها وامتلاكها للحكمة والقصص الممتعة والخيال الخصب تحدي يريد أن يكتشف خباياه ويعلم حقيقة أمرها بما سببته له من حيرة وغضب انتهى به الأمر في النهاية للانزواء والانتحار، حيث مثلت المسرحية درة أدب توفيق الحكيم بما قدمته من معالجة متميزة وعبر استخدام لغة عميقة ومعبرة. 


مقارنة بين مسرحيتين "فاوست" لجوته و"شهرزاد" لتوفيق الحكيم
تعليقات




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -